إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا بما تمر بها أمتنا عامة وجزر القمر خاصة لمحزونون. أرى كلمات لبعض شيوخ الدين وفئة من المجتمع، يرفعون دعوات لا تتسم بالحكمة فيها، ولا عقل ورائها، يحركها غضب وانتقام، وثأر، لا تحركها دين، ولا يحركها حب صادق لهذا الوطن، قد يظن البعض ممن يعلنون الآن الحرب على الدولة بجميع أشكاله، بسبب غلق المساجد والاحترازات اللازمة ضد وباء كورنا، أن عملهم هذا صالح للدين وللوطن،
أنا أذكرهم أن هذه الدعوات أخطر للدين وللوطن. ومع قدوم شهر رمضان المبارك، هناك دعوات بفتح المساجد بالقوة بإقامة الصلوات، وهذه الدعوات التي تدعو صارحة وبغير صراحة، هي فوضى لا حكمة ورائها ولا عقل يحركها، ولا دين، وهنا أستشهد بقول ابن القيم ، الأخضر في الماتع إعلام الموقعين، المجلد 3 《الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد، فهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكم كلها، بكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور(الظلم)، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن مصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليس من الشريعة في شيء》.
إن أخطر التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية عامة وجزر القمر خاصة، سوء الفهم عن دين الله، والتعامل الخاطئ مع نصوص الشريعة، باستشهاد في غير موضعه ، أو بدون تحقيق المصالح العامة والخاصة، التي لا بد منها للربط ربطا صحيحا بين دلالات النصوص وحركة الواقع. وأنا هنا لا أشكك من صدق هؤلاء وحماسهم لحب الدين والوطن، ولكن هذه المسائل تحتاج إلى علم وفهم دقيق للشريعة، وهناك جهات مسئولة ومنوطة بهذا الأمر، وهي المؤسسات الدينية الرسمية.
علينا جميعا أن نكون مدركين الخطر الحقيقي الذي يهدد المجتمع القمري، ولا بد أن نواجه هذه المخاطر بصورة جماعية، بنشر الوعي المجتمعي واحترام قرارات الدولة في هذا الشأن.
وهنا سأعرض أخطر سلاح يهدد المجتمعات، واصطلح ب”السلاح الأيديولوجي”.
السلاح الأيديولوجي هو أخطر أسلحة الدمار الشامل في القرن الحادي والعشرين.. هو المعادِل للسلاح البيولوجي من دون صخب أو ضجيج. البكتيريا والفيروسات التي تمثِّل عماد السلاح البيولوجي.. جرى تعويضها ببكتيريا فكرية وفيروسات أيديولوجية لتمثِّل عماد السلاح الأيديولوجي. يتحدّث الغرب عن مخاطر السلاح البيولوجي، ولكن العالم الإسلامي يواجِه يوميًا استخدامات السلاح الأيديولوجي.
يقول الكاتب الصحفي أحمد المسلماني نقلا عن جريدة الأهرام المصرية:《السلاح الأيديولوجي كما أراه هو استخدام الأفكار المتطرفة من أجل إبادة أعداد كبيرة من الخصوم بدعوى الخروج على قواعد العقيدة. وهو سلاح جرى الانتباه له في زمن الاستعمار الأوروبي ثم طوّره الزعيم النازي أدولف هتلر.. ثم تلقته قوى الغرب المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. كانت قاعدة “فرِّق تسد” التي تقوم على زرع الانقسام الديني المذهبي، وخلق معادلة صفرية بين قوى وفئات المجتمع.. هي أساس السلاح الأيديولوجي الإمبريالي. وقد نجح كثيرًا في مساعدة دول استعمارية صغيرة في استعمار دول أخرى كبيرة》.
ويتابع قائلا:《كانت الفتنة إذن هي أول أنواع السلاح الأيديولوجي استخدامًا، وكانت هي وراء ضعف شعوب ونخب المستعمرات إزاء قوى الغزو والاحتلال. ثم كانت الانتباهة إلى الأهمية القصوى لسلاح التطرف الديني في تدمير الأمة الإسلامية من دون قتالٍ خارجي.. نصرٌ بلا حرب》.
إن الفتاوى المتعددة، دون ضوابط شرعية صحيحة، ودون احترام مؤسسات الدينية الرسمية بإصدار الفتوى، هي أخطر ما تواجه بلادنا وأمّتنا.. أن تصبح مجتمعات المسلمين فرقًا وجماعات.. بعضها لبعضٍ عدوّ، وكل جماعةٍ تلعن أختها.
يحتاج السلاح الأيديولوجي إلى سلاحٍ مضاد.. لتبديد الأوهام التي يروّجها هؤلاء الجماعات، وإلى استعادة العقل واحترام الجهات المسئولة لأهل الاختصاص، وترك العبث بالدين دون معرفة حقيقية.. إن العلم هو أساس السلاح المضاد، والمعرفة هي قاعدة الانطلاق لاستعادة النهضة للأمة الإسلامية، وهنا أرفع شعار” العلم المبنى على فهم سليم هو الحل”.
الكاتب: سلطان يوسف رسول باحث دكتوراه في التاريخ
كل الآراء الواردة يتحمل الكاتب فقط مسؤوليتها