التداعيات الأخلاقية والدينية لمقتطفات سماحة المفتي في حق الأستاذ أحمد سامبي

    لا شك فيه أن ما تتعرض له دولة أرخبيل القمر في الآونة الأخيرة من مؤامرات و اختلاط الأوراق من كل جوانب وما تخلل عنها من سقوط مؤسساتها في براثن الهيمنة الدكتاتورية لاشك فيه أنه لأمر مُغيّب للآمال و خطير للغاية ، خاصة عندما يتم زج المؤسسات الدينية ضمن مسرح الأهداف المزمعة استغلالها لإيقاظ الفتنة التي هي أصلا مشتعلة في جميع نواحي البلاد ، بسبب السياسات الخاطئة التي فُرضت على الشعب القمري بقوة السلاح منذ الرابع والعشرين من مارس المنصرم ،
     إننا لسنا في ملعب كرة قدم حتى نحتاج إلى مشجعين للتهليل ، إنما الوضع مبكي وميؤوس كونه صدر من أعلى قمة السلطة الدينية في البلاد ، فإنا لله وإنا اليه راجعون ،
    إنه ليس من مات فاستراح بميّت : إنما الميت ميّت الأحياء ،
    لا أحد يستطيع أن ينكر الأبعاد الخطيرة وراء مقتطفات كلمات سماحة المفتي في حق أستاذنا الفاضل أحمد عبدالله محمد سامبي الإمام الجليل والرئيس السابق لجمهورية  القمر المتحدة فيما نسب إليه من الأوصاف والنعوت غير اللائقة التي هي، حقيقة، بعيدة منه كل البعد ، و إن دل على شيء فإنما يدل أن النهج غير المستقيم الذي ينتهجه النظام  القائم في موروني بدأ يتخطى الخطوط العريضة في توجيه البلاد نحو الانزلاق في نفق مظلم لا يمكن تنبؤ مخاطره من النواحي الدينية والأخلاقية بعد أن تهاوى رصيده السياسي وخسر في كل الميادين الشعبية والدبلوماسية ، مع نفاذ كل الحيل الممكنة لتركيع الشعب القمري تحت أمر الواقع ،
    كما يؤكد الفشل الفعلي للحكومة المركزية في كل الخيارات المطروحة على الطاولة من أجل كسر شوكة نفوذ الأستاذ أحمد عبدالله محمد سامبي سياسيا وشعبيا، فكان المنفذ الوحيد والمتبقي توظيف أعلى سلطة دينية في البلاد لفتح الباب على مصراعيه لصب الزيت على النار ضمن سلسلة من الخيارات القذرة التي لم تحقق أهدافها حتى الآن ،
    فلم يكن أحمد عبدالله محمد سامبي نبيا ولا رسولا إنما كان داعيا إلا الله أنار طريق البلاد سياسيا ودينيا وثقافيا ، أبرم العديد من الاتفاقيات لمشاريع مختلفة بغية انفتاح البلاد حول العالم اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا بعد أن كانت تحت رحمة النفوذ الفرنسية بلا منازع ،
     أحمد عبدالله محمد سامبي رجل عبقري من عباقرة العلم والأدب والأخلاق خدم شعبه وأمضى حياته كخطيب وإمام ديني في منابر مختلفة في جميع أنحاء البلاد ، وضع بصماته في قلوب المحبين للعمل الخيري والديني والوطني ، دعا إلى المنهج الوسطي في المعتقدات ، اتهمه البعض بالتشيع ، غير أن الحالة الاقتصادية المتعثرة التي كانت تحياها جزر القمر حينذاك لم تشجع الرئيس إلى تمييز بين إيديولوجية من أبدوا رغبتهم للمشاركة في المشروعات التنموية خاصة ما تعلق بالبنية التحتية المنهارة ، شيعية، وهابية كانت أو نصرانية أو بوذية، إن تعلق بالمصالح الاقتصادية المتبادلة ، فكنائس النصارى والهيئات الخيرية التنصيرية منتشرة في نواحي موروني العاصمة منذ قرن ونصف ولم يتجرأ أحد الكلام حول التنصير ، كما لوحظ في الآونة الأخيرة الزيارات المكوكية للبوذيين الهنود من بعثات عسكرية وطبية و المتواجدة حاليا في موروني العاصمة، ولا أحد اتهم الإمام غزالي بنشر البوذية ولا الرذائل المنتشرة في البلاد على أوسع نطاق ولأول مرة في تاريخ جزر القمر ،
     أحمد عبدالله محمد سامبي حكم البلاد لما يقارب ست سنوات فقط عن طريق انتخابات حرة شهد كل العالم  بنزاهتها، ولم يأت بطريقة انقلابية أو بتزوير إرادة الشعب ، بالرغم من ذلك قام الدنيا ولم تقعد بسبب نهجه الإصلاحي ، وضع الأستاذ سامبي مصالح الدولة فوق كل الاعتبارات ، عانى من ضغوطات عدة للتراجع عن خطته حول تحرير جزيرة أنجوان التي كانت منفصلة حينذاك عن باقي الجزر التي كونت الاتحاد القمر ، لكن مضى في خطته وحرر أنجوان من أيدي الانفصاليين العابثين ،
    وضعت له عدة كمائن لاصطياده في كثير من المناسبات ، ونجحوا في واحدة منها عندما قبل العروض الذي قدمه الإمام غزالي وحزبه لمساعدته من أجل الوصول إلى الحكم ، وكان أكبر خطيئة ارتكبه الأستاذ سامبي ومستشاريه في حياته السياسية وما زال حتى الآن يدفع ثمنها تحت زنزانته الانفرادية ،
    وبالرغم من أنه لم يصل إلى الحكم عن طريق دبابة ولا صراخ الكلاشينكوف فإنه بات مستهدفا من كل خطة بعد أن أدرك منافسوه أنه الرجل الوحيد القادر على انتشال الشعب القمري من الفقر المدقع الذي يعاني منه منذ ما يقرب من نصف قرن  وحتى بعد أن سلم مقاليد السلطة طواعية للجنة الوطنية للانتخابات لإفساح المجال لسلطة منتخبة ديموقراطية أحمد عبدالله محمد سامبي ظل رمزا دينيا وسياسيا وطنيا، إقليميا ودوليا ،
    فبالرغم من عبث العابثين في حق شخصية أستاذ أحمد عبدالله محمد سامبي فقد وثق به العالم العربي بل وكل العالم الحر ضمن عشرة رؤساء مؤثرين حول العالم من المحيط إلى الخليج بفصاحته البيانية ،
     أما نهجه السياسي فقد وضع منافسيه في مأزق حقيقي وميؤوس ، فاضطروا إلى ترتيب سيناريوهات لإقصائه من على الساحة السياسية إلى الأبد بأي وسيلة ممكنة حيا كان أو ميتا ، فرتبوا الحيل ولفقوا إليه الاتهامات كما هو المعتاد في معظم الاستخبارات الدولية المرنة ،
    وعلى الرغم من طلبه مرارا وتكرارا المثول أمام المحكمة ، حصنوا له زنزانة في بيته منفردا يتصارع مع المرض دون محاكمة حتى الآن ، لا مؤسسة قانونية تتدخل و حتى منظمة حقوق الحيوان تستحي إلا أنه ، وبالرغم من اللعبة الأخيرة والخطرة تجاه أستاذ أحمد عبدالله محمد سامبي من أجل القضاء على شرفه الديني والأخلاقي بعد أن عجزوا عن إقصائه سياسيا وشعبيا ، إلا أن بعضا من المحللين في علم الاجتماع يرون ، أنه ليس كل من يدلي دلوه في بئر يرفق بماء صالح للشرب ، فحسبنا الله ونعم الوكيل
    والله غالب

    يوسف علي امباي

    أكاديمي وباحث في المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية-باريس

     

    كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل مسؤوليتها 

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top