جزر القمر من الدول التي تتبع سياسة خارجية نشطة و يبدو أن عليها الأولوية على السياسة الداخلية ، و يمكن تحليل ذلك و تفكيك هذا البعد المُركز من قبل صانع السياسة في جزر القمر إلى عوامل رئيسية محددة ، تشكل أهمية و حساسية اعتماد جزر القمر على التفاعلات الخارجية
-
تأمين أهداف الدولة العامة
-
حفظ و استقرار الدولة .
هذه من المقولات العميقة التي تتكرر في الخطاب السياسي لدى الفواعل السياسة في جزر القمر.
و الواقع أن ثمة يقينا على أن هي طبيعة الدول الصغيرة أو المتوسطة الإمكانيات، تتجه إلى هذا النوع من التفاعلات الخارجية كبديل لنقص الإمكانيات الداخلية و كتعويض لها ، و تلعب البيئة الداخلية الغير مستقرة اقتصادية و سياسية كمحرك أساسي تدفع الدولة إلى البحث عن مصادر التمويل ، كذلك الثقافة السياسية القمرية لدى نبلاء السياسة تبدي اهتماما مركزا على قضايا السياسات الخارجية ، و طبيعة الأيديولوجية لصانع السياسة الذي يرى أن الدولة القمرية تفتقد إلى الفكر السياسي و منظرين في السياسة و التاريخ السياسي و مراكز التفكير و كذلك افتقار الدولة القمرية إلى وسائل الإنتاج،
و لعب الاستعمار دورا بارزا حول تعميق هذه المسألة ، لذلك يجد صانع السياسة القمرية نفسه أمام تلك العوامل التي تدفعه للتفاعلات الخارجية .
جزر القمر من الدول التي انطوت سياستها الخارجية على خصائص أساسية ، تتضمن مجموعة من الاستراتيجيات أي مجموعة من الحسابات الشاملة لصالح السياسة الخارجية القمرية و العلاقات بين الأهداف و الوسائل المتاحة لتحقيق تلك الأهداف ، و قد تأخذ الأهداف عناوين وطنية عريضة دون أن تلامس حياة المواطنين في تحقيق الرفاه و الاستقرار الحياتي ، و يعود ذلك لأسباب تتعلق :
١-بصانع السياسة و النبلاء السياسيين ،
٢-ضعف في الرأي العام القمري نتيجة غياب قيادات الرأي العام السياسي ، و استغلال نبلاء الدين الذين يفهمون السياسة من زاوية دينية فقهية ( حرام أو حلال يحوز أو مباح ) في قيادة الرأي العام السياسي ،
و لعلّ أبرز سمة للسياسة الخارجية القمرية أنها ؛
١-تشكل مهنة للكثيرين
٢- و هي أيضا مادة و موضوع للنقاش اليومي ، و قدم الفنان الشعبي سالم علي أمير تعريفا عن السياسة العامة القمرية و يبدو دقيقا إلى حد بعيد في إحدى أغانيه قال ( siyasa comori boudjo bora wou triye karavati ) بمعنى أنها سياسة تعتمد على المظاهر الخارجية دون التركيز على المفاهيم الكبرى و الرئيسية و الجوهرية لفعل السياسة و وظيفة السياسة التي تعبر عن إدارة شؤون الناس و تحقيق الرفاه و الاستقرار ،
أعتقد جازما أن هذا يشكل انطباعا عاما يشعر به نبلاء السياسة و لكنه غير مفهوم علميا لماذا لم يفكر ذلكم النبلاء في التغيير الحقيقي نحو الأفضل !
يمكن القول بشيء من اليقين أن جزر القمر تحتاج إلى مراجعة عامة لكيفية صنع السياسات العامة ( الداخلية و الخارجية ) أي مراجعة لطبيعة العلاقات بين السياسة الداخلية و السياسة الخارجية ، لكل سياسة تتخذ أشكالا مختلفة و متعددة و تحكمها أغراض و أهداف رئيسية و هي بالضرورة أهداف الدولة في غالب الأحيان ، و ينطلق من الإمكانيات الذاتية و مواردها المادية و المعنوية و من ثم الوسائل المتاحة لتحقيق أهدافها ، تتعاون الإمكانيات و الوسائل لتحقيق الأهداف العليا .
ما لذي يحدد أهداف السياسة الخارجية ؟
من المؤكد أن السياسات الخارجية تتعلق بالقضايا الوازنة و الحساسة و الكبرى و المصيرية و التي تحدد مستقبل الدولة و الحياة في الداخل و الخارج، يتحدد أهداف السياسة الخارجية من خلال (المصلحة الوطنية ) و هذا المفهوم قابل للتأويل و التفسيرات المتباينة تحت عنوان المصلحة الوطنية ، و السياسة القمرية تأخذ طابعا برغماتيا من أجل تحقيق أهداف عامة ( تعبر عن المصلحة الوطنية ) سواء كان ذلك بالتوافق مع وحدات إقليمية أو دولية أو عربية ( الاتفاقيات الاقتصادية التي أُبرمت بين الحكومات القمرية و نظيراتها العربية و الدولية تتغير أو على الأقل لا تلتزم بها الحكومات القمرية اللاحقة لأنها قد تمتلك رؤية مغايرة )- إغلاق السفارتين الإيرانية و القطرية في موروني و تجميد اتفاقيات اقتصادية ، لمؤشر واضح على البرغماتية في السياسية القمرية ، و البرغماتية هنا ليست بالضرورة أن تكون إيجابية و تحقق هدفا عاما ،
هذا النوع من السلوك السياسي البرغماتي تؤكد و تؤسس على ضرورة إعادة مراجعة عامة أو أولوية القيام ببعض التنقيح لبعض الزوايا في كيفية الاستجابات لدى نبلاء السياسة ضمن تفاعلاتهم في النظام الدولي، و ليس تحطيم ما هو قائم و موجود ،
و هذا يفرض أن يُستند إلى التجارب و المعارف التي يفترض أن يتحصل عليها نبلاء السياسة أثناء تفاعلاتهم و علاقاتهم الدولية و الإقليمية و الوقائع السياسية و تكون الإطار و المرجعية لأي مراجعة للسياسات العامة ، باعتبار أن السياسة الخارجية جزء منها هو بناء معاريف في عالم يتغير بشكل سريع فتتغير الاستخلاصات و الرؤى و وجهات النظر حول مختلف القضايا المطروحة و المسكوت عنها ، و تبدأ ببناء تراكمات فكرية سياسية اقتصادية و مبادئ راسخة و قاعدة صلبة تستند إلى الموارد المادية و البشرية التي يمتلكها الدولة و من ثم التركيز على كيفية استغلال الموارد لبناء قوة الدولة ،
و يشكل العامل الجيواستراتيجي لموقع جزر القمر عنصرَ قوة ، و يبدو أن الفواعل السياسية لم يثبتوا كفاءة عالية و كبيرة في فهم العامل الجيواستراتيجي لموقع الدولة و ما يمكن أن ينبني عليها من سياسات عامة ،
في المحصلة:
* إن الدبلوماسية القمرية الهادئة و النشطة بحاجة إلى إعادة قراءة بداهاتها و مقولاتها العميقة بما يتوافق مع المصلحة الوطنية وذلك بالاعتماد الأكبر على مراكز التفكير و صانع سياسةٍ يمتلك من القدرات العلمية السياسية و الخبرة الواسعة
* التركيز في السياسة الخارجية بالدائرة الآسيوية لتكون مجالا رئيسيا إلى جانب الدوائر الأخرى
* ربط السياسة الخارجية القمرية بالسياسة الاقتصادية و إعادة تعريفها من أجل مزيدٍ من الاهتمام بالجوانب الاقتصادية و التنموية ( قضايا الاستثمار – المساعدات الإنمائية – المشروعات المشتركة – الاتفاقات التجارية ……. )
محمود ناصيف مهوما
كاتب ومحلل سياسي قمري
كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل المسؤولية
________________
المراجع : ١- محمد السيد سليم ، السياسة الخارجية ، ( القاهرة : مركز الدراسات و البحوث الاستراتيجية ، ط٢، ١٩٩٨) ، مواضيع مختلفة ٢- دكتور عقيل سعيد محفوظ ، السياسة الخارجية السورية ، ( جامعة دمشق : كلية العلوم السياسية )