إذا أعطيت نفسك فسحة للتأمل في الألفاظ العربية وجدت أن لها دلالتين متلازمتين :
أما الأولى : فـدلالة عامة ، يقف عليها كل أحد يمارس العربية ، و هي المعنى الموضوع للفظ ، تلتقطه الذاكرة أول ما يدق مصراعَي الأذنين .
و أما الثانية : فـدلالة خاصة ، و كاشفها هو المتكلم نفسه ، و هي ذروة الفائدة و لب الكلام ، و لا يدركه المخاطب إلا بإشارة من المتكلم نفسه ، و يمكن تسمية هذه الدلالة بالرابط بين معنى اللفظ و ما أراده المتكلم ، فحين تقول : صاحبت محمدا فوجدته كريما ، صفة الكرم معلومة من حيث اللغة ، يعلمها الصغير مثلما يعلمها الكبير ، فـهما في علمها سواء ، و لكنَّ الذي لا نعلمه في الحقيقة هو الكيف ، أو القدر الذي أراد به المتكلم أن يثبته .
منذ أن كنت في الإعدادية لم يتوقف عقلي من التفكير في الخلاف الذي وقع في الأمة حول صفات الباري – سبحانه – فكنت أقول : ما الذي جعل الأمة على فرق متناحرة في فهم صفات الله – جل و علا – و لكنني كلما اقتربت من المجال اللغوي ، و توغلت في استنباطات العلماء وجدت أن الله – تبارك اسمه – أخبر بأن له صفات ، و هذه الصفات معلومة معانيها عند العرب ، و هذا الجزء هو الجزء الأول الذي شرحتُ لك ، فكل من يتحدث بالعربية يعلم دلائل هذه الصفات في لسان العرب ، و لكنَّ الله – تعالى جده – لم يخبرنا بالجزء الثاني المتعلق بكيفية هذه الصفات ؛ و لهذا كان الناس على طرائق قددا ، و طالما كان الأمر الثاني على مكنونة علم المتكلم و لم يرد أن يٌعلمنا إياه ، فالأولى السكوت عنه ، و عدم الخوض فيه .
عفيف إسماعيل يوسف
طالب دراسات عليا في اللغة العربية وعلومها- جامعة الأزهر