بعيونهم

    كيف تظن أن هدوئي هو لامبالاة بهم ؟ وأني لا أعي ما آل إليه حالهم ؟؟
    ممارسة دوري في الحياة بشكل طبيعي أيعني سعادتي بأني لست هم ؟
    أبداً .. فوجعي عليهم أكبر من أن تستوعبه أي مساحة، فبمجرد مرورهم بالبال يمر طعم الملح في فمي ثم في جسدي ليخرج من كل مسامات جلدي أكثر مرارة وألماً، فأحس بعجزي ويكبر وجعي كلما أيقنت أني لا أملك سوى أن أكون عاجزة ..
    لا أقول أنهم يحتاجون لمعجزة لكن ما يحتاجونه أكبر من قدرتي . فيظل أعظم ما أقدمه قليل . . .
    عزيزي القارئ :-
    هل تود أن تعرف إن كنت أراهم وأحس بهم أم لا ؟؟
    حسنا .. اقترب معي أكثر لتتضح الرؤيا …
    لنقل أنهااااااا
     أه …بداية افتراضية…
    ليلة الدموع ! ليلة كأي ليلة في بلادي كل شيء فيها بسيط وعادي جداً .. غيم ونسمات وهدوء ورؤى وأحلام تحلق في فضاء كل العيون النائمة وفي خيال تلك التي لم تنم بعد .. والقلوب أوانٍ ينضح كل منها بما فيه وكل منها يقطف زهر الليالي لأمر ما سواء لوضعه على شاهد قبر في الذاكرة أو لنثره حول مولود جديد أو لجمعه بين يدي عروس أو لزرعه عند محراب عابد زاهد أو لغرسه في صحراء تائه شارد أو لرشه في درب غائب عائد .. كلٌ يقطف على هواه  …
    ليلة رااائعة وشاعرية.. قطيرات مطر وبروق تضفي طعم خاص لهذه الحياة.
    ثم  .. ..
    نهاية واقعية .. ببداية غير متوقعه ..
    فجأة!! .. تنقلت الأجواء كتنقل الروح في الأطوار . .
    بحر من فوقه بحر وبينهما ضياع، أشرق صبح نظييييف لدرجة الجنون ، لا شيء فيه سوى ماء وسماء .
    ضاعت كل أحلام الليالي السابقة ومات زهرها بلا مقدمات ..
    لم يعد هنالك ما تقع عليه عين اطمئنان .. حصاد كامل للأحلام والمنازل والأرواح والراحة والطعام والأمان والأماني، حصاد بمنجل سيل لا يسمع ولا يرى ، وإذن بدخول الوجع والحزن والحيرة و الحوجة والشتات، إذن ببحر من الدموع يفوق أي نيل و محيط ويختلط به . . .
    لا شيء!! بمعنى الكلمة .
    لا شيء!! بلا كلمه  .
    لا شيء!! ولاااا كلمه .
    حتى ما يثبت هويتهم ذاب . .
    هوية ؟؟؟ هه
    من يبحث عن هوية؟
    ولماذا ؟
     ليثبتوا أنهم غير مفقودين ؟
    حالياً هم يدركون تماماً أن من يبحث منهم عن هويته سيعود بغير ظل لغير ظل ..
    فهل الجوع والتشرد والبرد والمطر والخوف والمرض والعري يعرفون هوية ؟؟
    الموت يعرف هوية ؟؟
    الدمع يعرف هوية ؟؟
    هل يسأل الإسلام عن هوية ليكون العبد في عون أخيه ؟؟
    صباح نظيييف مغسول بماء فيضان جبار أخذ ذهب المعز وترك سيفه يصول ويقطع يميناً ويساراً فأضحت الأحلام حلماً واحداً ..مأوى وملبس وزاد وبعض أمان فإن لم توجد فظل فإن لم يوجد فدعوات صادقة وإن لم توجد فهذا يعني أن أضعف إيماننا يحتاج هوية …
    وبعيونهم . . ! لا نراك لكن قلوبنا تستنجد بالله ثم بك كإنسان  .
    بعيونهم . . ! لا نجد غير الدمع وقوت الصبر المر .
    بعيونهم . . ! كيف ومن أين سنبدأ حياتنا وقد فقدنا مقوماتها ؟ .
    بعيونهم . . ! كيف نشتري قنطار استقرار وأمان ونحن لا نملك إلا دراهم خوف ؟ .
    بعيونهم . . ! هل بإمكاننا أن نحلم من جديد بذات الأحلام الوردية قبل الدمع؟ .
    بعيونهم . . ! لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم  . .
    أسأل الله أن يجعل بعد عسرهم يسراً .
    عفواً .. لن أتمادى في السرد أكثر لأنه مهما بلغ فلن يكفي .،، أنا فقط أخذت مكانهم قليلاً وسكنت عيونهم لبرهة من الزمن لأنقل لك بعض مأساتهم .. بعيونهم ….
    لكن أتدري !! أنا سعيدة جداً جداَ بهذا الإنسان الطيب النبيل الذي يقبع بداخلك ويقرأ عيونهم بعيونهم ويحس بها  .

     

    نهى ابراهيم سالم  شاعرة و كاتبة من جمهورية السودان

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top