بقلم الأديبة والشاعرة / نهى إبراهيم سالم
منذ نعومة أفكاري في مرحلة إدراك يُهمهِم بالأساطير المتوافقة مع الطبيعة ويهتم بالسفر فيها ويهيم عشقاً لها وأنا أستلطف تلك الحكاية الأسطورية التي كلما كبرتُ كلما تجلت لي وقائع حال تشبهها.
بنات نعش .. ثمة نجم اسمه سهيل ، يقع في الجنوب الشرقي من السماء ومجموعة من سبع نجمات تقع في الشمال ، أربعة منها تشبه في مواقعها النعش وثلاثة كأنها تسير خلف هذا النعش وتسمى هذه المجموعة “بنات نعش”. تحكي الأسطورة أنه كان هنالك رجل عربي يُدعى نعش قُتل على يد آخر يُدعى سهيل ، وكان لنعش سبع بنات ، أربعة منهن حملن نعشه وثلاثة مشين خلفه وأقسمن على السير بأبيهن حتى يأخذن بثأره من سهيل الذي هرب إلى مكان بعيد. وهن واصلن السير لإدراكه وبقين يمشين طوال حياتهن يحملن أبيهن ، لا قمن بدفنه ولا أدركن قاتله حتى الآن.
كلما مرت الأحداث والأيام أوقن أننا نشبههن في واقع حالنا كثيراً. فكم منا يحمل ذاته ويمضي ليأخذ ثأره من أمل هارب وطموح يتفلت من بين يديه كأنما يخشى لمس بصماتها. وأنا بيدي قتلتُ فؤادي رشقاً لا شوقاً وجعلتُني أحمل نعشه داخل ذاتي شهقاً ، أمضي خلفك ياسهيل بدون ثأر وأنت في مكان ما .. فلماذا أجدك في كل مكان ؟؟
وكيف أثأر لقتلك حلمي وأنا لا أقوى على ذلك ولا أطيق حمله ؟ كيف وكلنا في البدء أنت.. وأنت مثلي ومثلهم .. نستند على ساعد الليل، وننظم النجوم في خيط التكهن، وندمن رائحة الغياب، وفي رحاب الغيب نمضي لعالم آخر لاينتمي لعوالم الأرض البوار.
وبعيداً عنك يا سهيل .. ألتهم بخاطري بنات نعش وأحرقهن قبل أن يصلن إلى أحشائي ثم أبحث عن طريق تفضي نهايته إليك لا ماء فيه سوى ارتوائي من حنين هارب، لا زاد إلا فرحة اللقيا ووهم، ولا أماني غير ثأر من بقايا العمر ننثر رفاته في يديك. لكن : مارأيك أن نقف قليلاً أنا وأنت وبنات نعش ، وكل من يحمل ذاتَه داخل ذاتِه لنستمع ل ( إبراهيم ناجي) وهو يقول :
لست أنساك وقد أغريتني بالذرى الشُم فأدمنت الطموح
أنت روح في سماء وأنا لك أعلوف كأني محض روح
يالها من قمم كنا بها نتلاقى وبسِّرينا نبوح
نستشف الغيب من أبراجها ونرى الناس ظلالا في السفوح
… … … … … … … …