*بقلم الكاتب الصحفي / محمد سيد سعيد –
في الأول من هذا الشهر، مارس، لعام 2020م، شهدتْ همهامي- مسقط رأس مؤسس حركة إِفْ إِفْ يُو، المدعومة من قبل النظام- وصولَ الشاب، إبراهيم أحمد صاحب، الملقب بِـ”مَزِيه، بعد تخرجه من إحدى المؤسسات الأكاديمية الأمنية “الأجنبية”، وبرتبة “ملازم”.
وبهذه المناسبة نظمت جمعيةُ “منظمة”، ذات البعد التربوي والهمة الثقافية والأخلاقية، والتي عاش المحتفى به داخلها بنشاطه المكثف وأداءه المشهود، قبيل حصوله على هذه المنحة من طرف حكومة غزالي عام 2016م، لمواصلة دراساته في المجال الأمني خارج البلاد.
وهو العضو المؤسس لهذه الجمعية، وأحيانًا يسمونها “جماعة منظمة”، منذ نعومة أظافره، وبرفقة زملاء آخرين. بعض هؤلاء الزملاء سبقوه في الفكر والتأسيس والخدمة؛ أبرزهم الأستاذ طاهر أزهر امْفُواهَايَا، شافع عبده علي، أدبي معروف، حامد سعيد.
والبعض الآخر هم من سنه وأيامه، كصديقه عبد الوحيد هارون، وفيصل، ويوسف، وشافع إبراهيم، ومحمد حاج الملقب بِـ”سِسْتِمْ”، ومحمد سيد “بِيْبِي”، والتوأمين؛ سامي وسمير.
هذا وباستشارية الأستاذين الفاضلين المتطوعين في معظم الأعمال الإنسانية المقامة في المنطقة، وبالتحديد في مدينة “مُبِيْنِي”؛ مسرح أحداث الاحتفاء، وهما السيد محمد الأمين عبد المجيب والسيد محمد مصباح مكوبوا. في هذا الإطار، جرتْ مراسمُ الاستقبال والتكريم في ساحة “الصين” الواقعة على مقربة من مسجد الطريقة الصوفية الشاذلية، المعروفة بزَاوِيَة يَمْبُوَانِي، والمقر الفرعي للشركة القمرية للاتصالات، وعلى بُعْدِ بضع عشرات الأمتار من منزل الأمين العام المساعد للشؤون السياسية في حزب الاتفاق الحاكم، معالي الوزير محمد شاطر أحمد البدوي.
يهمنا في هذا الموضوعِ الطرحُ الآتيُ، وهو مسبوق بوافر التهنئة القلبية إلى الوطن وإلى ابنه البار الملازم الصاحبي، على دخوله المربع الذهبي للوطنية، بهذا الانجاز الذي لن يصُبَّ جهدُه وثمارُه إلا في الصالح العام للوطن، وهكذا نبتهلُ.
ذلك وقبل أن يتم إلقاء الضوء على بعض النقاط التي قد يقف عندها المهتم والمتابع لشؤون دولة جزر القمر، بعين المتأمل المخلص لوطنه.
وفي هذا الصدد، فإن قضية الفساد المستشري في الدولة الأفريقية، عبر كثير من مفاصلها الحاكمة والمتحكمة، لا تدع ذا عقل سليمٍ بل وذا ضميرٍ حيٍّ وقلبٍ نابضٍ بالهمة والحياء ليرتاح بالًا، في صباحه مثل مساءه.
خاصة وإن كان هذا المحروم منه راحة البال هو فردٌ داخل هذا المجتمع، أو عنصرٌ من العناصر المتضررة جراء هذا الفساد الذي يعتبره البعض- وهم من الساكنين فوق جبال المحسوبية و الانتهازية والاستغلال- قانونًا وطبيعةَ حياةٍ. وماذا يُعنَى بهذا الكلام غير أن الواقعَ المعاشَ في قطرنا الحبيب، أرخبيل القمر- رغم محدودية مساحته وعدد سكانه وعلى امتداد مشرقيه ومغربيه- واقعٌ يأخذُ بترسيخ دعائم التطحين حتى الإبادة لكل بذرة وطنية قد تنبتُ وهي خُلقتْ بلا سندٍ اجتماعي فِئَوِيٍّ قويِّ.
وهو ما يُقالُ عليه عند أصدقاءنا الفرنسيين بــِ “بِسْتُو”، وعند الأشقاء العرب بــِ “واسطة”، يمكن اللجوء إليها والاعتماد عليها للانطلاق نحو المعالي وقت الحاجة، بعد تدخلٍ وتدبير من خلف الكواليس، وبتعاونٍ دقيقٍ ومُنظمٍ فيما بين أطراف أحبال الفساد.
وها قد وصلنا لوقتٍ، الحاجة فيه حاجة، وهو هذا الذي نحن فيه الآن، حيث لا يكفي نجاح الطالب وتفوقه في دراسته، مهما كان مجال دراسته، ليحظى بفرصة التوظيف العام والعدل- مثل غيره من الأنداد- في بلده، والبلد جزر القمر.
تحدث التاريخُ عن كثيرٍ من الأسماء التي لا زالتْ بمثابة عيناتِ تمثيلٍ ومضرب المدمع من الأمثال، للحذر والحيطة في نظر الأجيال، حيث طالها الظلمُ حتى اضطرت بالهجرة- ومجبرٌ أخاك لا بطل- بعد أن غَفَلتْ عنها دولتُها، بل وأهملتها أيما إهمالٍ، هذا في المجال الأمني فحسب.
وهنا لا ريب أن نسردَ للقارئ الكريم أكثر من اسمٍ جرى تركينهم على جنبٍ تعمُّدًا، دون منحهم الفرصة اللازمة، كباقي الأقران، مع اعتراف السلطات -وأجهزة الدولة المعنية- بقدراتهم ومهاراتهم وتأهلهم التأهيل المناسب والمطلوب، لكن!
فهذا الشاب عمر صادق امبَابَنْزَا، ضابط برتبة ملازم من الكلية الحربية بالقاهرة، والشاب طاهر إبراهيم، الصفة ذاتها وكذا الرتبة وجهة التخرج، والشاب إِتْرِيْسُو، من الدفعة ذاتها، والشاب عمر حافظ، ضابط متخرج برتبة ملازم شرطة، وجُنَيْد أحمد سيد، ضابط متخرج برتبة ملازم شرطة، وغيرهم من المُهْمَلين.
والأخير، وبفكره الصمودي ، لا زال يقاوم موجات الفساد من الداخل، لأكثر من أربع سنوات على التوالي منذ تخرجه، ولا يرافقه في مساعيه هذه غير “لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا”.
وبعبارة أخرى، أولئك ما هم إلا الفئة المطرودة – عقب عودتها من الخارج وبعد رحلة شاقة قطعتها في سبيل التحصيل- من أن لا ترى باب اللحاق بالوظائف العامة، والمطالبة بتسويتهم بزملائهم، أبناء البرجوازية وسادة القوم في دولة الفساد.
وإن الحديث عن النماذج في هذه القضية بالتحديد، سواء كان النموذج محظوظًا بالإيجاب؛ الملازم أوّل صالح، ومُعَرَّبُ، وصلاح الدين، وقبلهم الرائد سَقَّاف مثالًا، أو محظوظًا بالسلب والتركين على جنب؛ مُثِّل ذلك آنفًا، هو حديثٌ ذو شجونٍ.
قد ينامُ المستمعُ إليه نومَ مستيقظٍ مغشيٍّ عليه من طول شريطه وهَوْلِ حلقاته، فلا يأتيه فَجْرٌ حتى يردَ الصراطَ.
والواحد -في دنياهم- وأصوله النسبية، ومعها الحسبُ السياسيُّ والحزبيُّ والجَيْبِيُّ، يقولون، دليلٌ على نورانية الفلك الاجتماعي وحسن الطالع النخبوي اللذين سيحيى عليهما طوال مشواره الوطني نشأةً، وتربيةً، وتعليمًا، توظيفًا فترقيةً، ولا بأس أن تضيف تقاعدًا ثم وفاةً وبعثًا.
وهذا المشار إليه مؤخرًا إنما جاء ليبرز مدى الفهم الخاطئ لمفهوم تعاليم الدين العدل السمح، الذي استوطن في عقولٍ كثيرٍ من المعنيين بأمر إدارة الدولة – وبتواطؤ قادة الرأي بسكوتهم عن الحق- في أفريقيا عامة، وفي جزر القمر خاصة.
وإن كان البعض منهم يزيدون على التطرف تطرفًا كلما تعلق الأمرُ بحديث المذاهب الفقهية الإسلامية والتوجهات الفكرية والآراء العلمية ذات الصلة بالدين قيمًا، وأخلاقًا، وتعبدًا وسلوكًا.
فجميع ما يفعله، بل كل ما يصنعه الإنسان القمري في يومه، يشمل ذلك الفسادَ العامَ محلَ الحديثِ، هو -وهكذا يدعون وبتبرير عجيب غريب- مُستمَدٌ من مذهبهم المفضل والوحيد؛ أهل السنة والجماعة.
وفي هذا يفترون، ثم يكذبون في حق الإمام محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله، على أنه إمامُهم في المعاش والمعاد.
ولا استثناء في ذلك لوزيرٍ من نظيرٍ، أو غفيرٍ من آخر صغير، خندقٌ يجمعُ الكلَّ، رغم البون الشاسع الذي يفصلُ بينهم كلما تعلق الأمر بسواسية الناس كالمشط أمام القانون، وحده وليس غيره؛ القانون!
وفي الختام، لا يسعنا -وبمعية القراء الكرام- سوى أن نتوجه إلى الله بالدعاء، فلنُؤَمِّن، لعلها تكون ساعة إجابة.
فاللهم باعد بين أوطاننا وبين أحزابِ الفساد ومعسكرات المحسوبية وتكتلات الرشاوي وجماعات التمييز العنصري الفئوي كما باعدتَ بين غزالي وسامبي، واجعل السيد إفْ إفْ يُو فاتحةَ خيرٍ نَحْوَ عدالة الدولة القمرية وبعصا عدله السحرية.
*درس الإعلام واللغة العربية في جامعة الأزهر الشريف، و باحث أكاديمي مهتم بالفكر الإسلامي