تعالت هذه الأيام أصوات تطالب الجيش بالتدخل للإطاحة بنظام غزالي الفاسد ، وأفهم أن كثرة هذه الأصوات قد أخذتها الحماسة الزائدة من رؤيتهم سقوط ديكتاتور فاسد يأبى الاستماع إلى مطالب شعبه بالرحيل ، لكن ما لا أفهمه بتاتا هو انضمام المحامي الدولي والمعارض للنظام سيد العارف إلى جوقة المناديين بانقلاب الجيش على الرئيس غزالي، ضاربا عرض الحائط تداعيات تصريح كهذا على السلم الأهلي والحياة السياسية برمتها.
قد تبدو في أذهان الكثيرين فكرة بسيطة وسهلة التنفيذ للتخلص من نظام شمولي غير مرغوب فيه ، لكن يجب ألا نكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولا يجب أن يغيب عن أذهاننا العواقب الخطيرة لهذه الخطوة الكارثية ، ودعوني أخبركم أن الأزمة السياسية التي نعاني منها اليوم لا تنفصل مطلقا عن الانقلاب العسكري الذي نفذه غزالي سنة ١٩٩٩، وكان من توابع هذا الانقلاب الأعوج معاهدة فومبوني التي بموجبها أصبح غزالي رئيسا قبل أن ينقلب عليها، وهذه المرة بانقلاب دستوري، كلا الانقلابين كانا من أجل الاستيلاء على السلطة كهدف بحد ذاته مهما ادعى خلاف ذلك.
وانقلاب مالي لا يختلف كثيراً عن انقلابات غزالي، فالعسكر على اختلاف مشاربهم وضروبهم وسبلهم، غايتهم واحدة هي الاستيلاء على السلطة بالقوة الغاشمة .
وأزيدكم من الشعر بيتا، أن تدخل الجيش المالي لم يأت استجابة لمطالب الشعب المالي بإسقاط النظام كما يزعم ، بل جاء من أجل حماية نظام كيتا المترنح الذي كان على وشك السقوط حتما تحت ضغط المعارضة، لكن كان لابد من التضحية برأس النظام في هذه المرحلة من أجل بقاء الدولة العميقة للاستمرار في حماية مصالح مشغليها؛ لأن الأنظمة لا تسقط بإزاحة رأسها ، ولا أستبعد أن يكون لفرنسا يد في هذا الانقلاب العسكري خوفاً على مصالحها من وصول المعارضة إلى الحكم، وهي معارضة يمثلها الإمام محمود ديكو قوة الحشد الحقيقية وراء المظاهرات التي نظمتها المعارضة، وهو رجل ذو توجه إسلامي قومي، وسبق أن اتهم فرنسا بأن لها طموحات لإعادة استعمار بلاده.
لهذا من المنطقي جدا أن تقوم باريس بإيعاز العسكر بالتدخل العاجل لإجهاض آمال وتطلعات الشعب المالي بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، بالقفز على ثورة الشعب المالي واستغلالها لمصلحة أجندات خارجية وبالتالي إعادة الشعب المالي إلى المربع الأول، وأكبر دليل على ذلك طلب المجلس العسكري من ايكواس بأن يكون رئيس المرحلة الانتقالية عسكريا وليس مدنيا .
نعم ، نريد إزاحة نظام غزالي الفاشل من المشهد السياسي، تطلعاتنا وآمالنا في إقامة دولة القانون وتفعيل الحكم الرشيد، دولة يتساوى فيها مواطنو شعبنا بغض النظر عن معتقداتهم السياسية والدينية، لكن ليس عن طريق الانقلابات العسكرية، وأي دور للجيش في الحياة السياسية مرفوض تماما،
الكاتب: طويل مولد صالح
باحث ماجيستير في القانون العام
كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل المسؤولية