تحديات الفجوة المعرفية في تحديد مصير شعب أرخبيل القمر

     هل الفجوة المعرفية والثقافية هي بالفعل سبب الكوارث غير الطبيعية التي تواجه عجلة التقدم في جزر القمر ؟
     أم مازالت جزر القمر تواجه مؤامرة خبيثة منسقة لإخضاعها في براثن الفقر و الهيمنة السياسية إلى قيام الساعة ؟
    ألم تتعاف دول الجوار من المحنة وبقينا نحن تحت مهانة التسول ، أم هي الأقدار تملي ما تشاء على أرض الأرخبيل دون غيرها ؟
    ترتبط نظرية الفجوة المعرفية والثقافية ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الفجوة الرقمية لدى علماء التقنيات الحديثة ، ويدور بشكل عام حولَ الصعوبات التي تحُول دون الوصول إلى المعرفة كباقي مجتمعات الدول المتقدمة والمتحررة، من قيود التقلبات السياسية إلى مرحلة التطوير والإنتاج
     هذه الفجوة قد تجِدها في مجموعة معينة من البشر بسبب اختلاف مستوى الدخل المادي ، أو نوع الجنس أو العِرْق أو المَوطن، وتحُول دون حصولهم على المعلومات الكافية التي تمكنهم من مواكبة الحياة الجديدة كغيرها من المجموعات التي تقطن  ببقاع آخر
    بيد أن الصعوبات الأكثر خطورة والتي تواجه شعوب العالم الثالث وجزر القمر على وجه الخصوص لم تتوقف لحد الفجوة المعرفية والثقافية المنبثقة من عالم التكنولوجيا اليوم فقط ، إنما المصيبة الكبرى تكمن في تستر البعض بزي ثقافي عابر ليست لها صلة لا بالواقع المعاش ولا حتى لمشروع مستقبلي لبلاد الأرخبيل بالرغم من السيطرة الكاملة لهؤلاء المثقفين لبلدانهم لأكثر من قرن و وضع مستقبل البلاد فوق سنابل من الدخان دون فهمٍ دقيق بتضاريس المشهد السياسي والعمق الاستراتيجي للخريطة العملية المصاحبة لها ، فجزر القمر وهي تحتفل بخمسة وأربعين عامًا من استقلال زائف، مازالت غارقة حتى الآن في الأحلام حافلة بالمظاهر الشكلية متوجسة في نفس الوقت بتضليل شعبه والرأي العام العالمي والمحلي على حد سواء ،
    غير أن الذي يهمنا أكثر في هذا الصدد هي وضعية العلاقة بين الفجوة المعرفية والثقافية بين من يدّعون بالميول الشرقية والذين ينتمون للمدرسة الفرنكوفونية القديمة ، وما إذا كانت هذه الفجوة بين الثقافتين، هي بالفعل، سببا لتفاقم الوضع الاجتماعي والسياسي في جزر أرخبيل القمر كما يدّعي البعض ، فكثير من الدراسات في علم الاجتماع تنصبّ حول هذه الآفة وانعكاساتها على تخطي العقبات التي تعتري جهود التنمية المستدامة في كثير من بقاع الأرض ،
    فكلنا نعرف الضبابية التي تعتري كثيرا من شعوب الدول النامية من أمثال جزر القمر بسبب الظروف القاسية والخوف من المصير المجهول بسبب العوامل المؤثرة في المعيشة اليومية للحياة التي تسببها السياسة غير الحكيمة التي تتبناها القيادة السياسية لهذه البلاد بمختلف مراحلها
    مما أعطى الفرصة هذه المرة للأكاديميين الجدد خاصة من لهم صلة وثيقة بالثقافة العربية بتوجيه أصابع الاتهام إلى المواليين للثقافة الغربية التي سيطرت على عقول الشعوب مئات القرون دون خريطة مستقبلية ولا بنية تحتية تذكر ، غير التشبث باللغة كمصدر لاستفزاز الشعوب لا أكثر ، فمعلوم أن الثقافة هي مصدر من مصادر النهوض اعتنى بها الشعوب و وصلت إلى ماهي عليه الآن من الرقي والازدهار ، بينما نحن غارقون بين المظاهر الشكلية، كاللباس واللغة، كجزء من الاعتناء بالثقافة الغربية متجاهلين الصحوة الثقافية الحقيقية التي هي مصدر النهوض للأمم والشعوب الأوروبية التي تزعمون تقليدها زورًا وبهتانًا
    إن من ينظر إلى التاريخ السياسي لجزر القمر بعناية يلاحظ ،بما لا يدع مجالا للشك، الأزمة الحقيقية الناتجة عن الصراع الثقافي بين الأكاديميين الجدد الراغبين بالتحرر السياسي وإخراج البلاد من القبضة الحديدية الغربية وبين الذين يدافعون عن الدولة العميقة متذرعين بالثقافة والحماية الغربية
    فلا أحد ينكر ارتجالية المواقف المتعلقة بالقرارات المصيرية في معظم الأنظمة التي اجتازت الخدمة في أرخبيل القمر بلا استثناء طيلة التاريخ السياسي الذي حفل بتناقضات عدة ، ،
    فقد تحرر معظم شعوب دول الجوار مثل سيشل و مدغشقر وغير ها من القيود التي كانت مفروضة عليها إبانة حقبة التاريخ الأسود فيما ظل زعمائنا يرقصون في ملهى ليلي يزعجهم بزوغ الشمس من جديد لكون هذا الشروق طالع ببصمات من الأهداف تتعارض مع مصالحهم الشخصية ، بالتالي فإن أعراض الصراع الثقافي في بلاد الأرخبيل ليست وليدة اليوم إنما منبثقة عن إحساس البعض بالاضطهاد والمطاردة مع العلم بأن فرسان الأمس والذين ما زالوا مسيطرين على جميع مفاصل الدولة حتى الآن لا يقبلون المخاطرة بالحكم مرة أخرى ولا يستسلمون إلا بالحديد والنار إذ يرون أن كل التنازلات الممكنة ينبغي أن لا تتعدى ترميم صنم آخر يتمكن على الأقل باحتفاظ قدر ممكن من التنسيق السياسي والثقافي ومن ثم العسكري لضمان عدم التحول الدراماتيكي للاستراتيجية المعهودة في جزر القمر ،
     بينما يرى المعسكر الشرقي أنه قد آن الأوان لإزاحة الستار عن الحقيقة المرة التي مازالت تدق ناقوس الخطر لمستقبل الأرخبيل وهي الإعدام الممنهج لكل تطلعات شعب الأرخبيل ورمي دعاة تحرر الفكر السياسي للأرخبيل في مزبلة التاريخ فالرئيس الأسبق سيد محمد جوهر و وزير خارجيته حينذاك مسلم بن موسى أزيحا من الحكم تأديبا لهما بسبب جرمهم في انضمام جزر القمر لجامعة الدول العربية كذلك مات تقي عبد الكريم بظروف غامضة بسبب مواقفه التحررية وميوله الثقافية وأحمد عبدالله سامبي مازال مطاردا أيضا بسبب توجهاته الشرق-أوسطية ووضعه المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات مع اعتماد جزر القمر على سياسة الحياد
     بينما بقي الأحفاد في مواقعها لا تهزهم رياح عاتية مما يؤكد على نظرية المؤامرة على حساب المصلحة العليا للبلاد عكس ما يذهبون به من صيحات الفجوة المعرفية والثقافية
     إن الذين يصرخون بالفجوة المعرفية والثقافية كعباءة يتذرعون بها لإذلال وتركيع شعب جزر القمر بالكامل ، ما هم إلا مجموعة قليلة غير مؤهلة مهنيًا لإدارة دولة طموحة مثل جزر القمر الغنية بمواردها الطبيعية غير المستغلة ، وموقعها الجغرافي المتميز ، وجمالها الجذاب والتي وصفها العارفون بجنة الله في الأرض ، إذ لا يوجد في القاموس السياسي ما يسمى دولة فقيرة إنما يوجد بالعكس ما يعرف بالقادة الفشلة في إدارة مواردها الطبيعية
     والله غالب

    يوسف علي امباي

    كل الآراء الواردة في المقال يتحمل فقط الكاتب مسؤوليتها

    Leave a Reply

    Your email address will not be published. Required fields are marked *

    Back To Top