آن للشعب القمري أن يستيقظ

لطالما تخيلت منذ زمن بعيد، أن أبدأ بتغيير شيء في حياتي، كنت أؤمن بأن التغيير يبدأ من الإنسان نفسه؛ من ذاته وسلوكه، ثم يمتد إلى عائلته، فمجتمعه، حتى يشمل وطنه بأكمله. كنت أرى أن الإصلاح مسيرة تبدأ من الداخل لا من الخارج. غير أنني اليوم، وبعد سنواتٍ من التجربة والترحال والتأمل، وجدت أن كل شيء حولي قد تغيّر؛ الناس، العادات، وحتى ملامح الوطن الذي عرفناه.
زرت بلدانًا مختلفة، وتعرفت إلى شعوبٍ من كل جنس ولون، لكنني لم أجد شعبًا كالشعب القمري: طيب القلب، صادق النية، نقي السريرة، موهوب بالفطرة، محب للحياة والناس. ومع ذلك، يؤلمني أن أراه غارقًا في سباتٍ طويل، يسير خلف الآخرين بحسن نية، ويُقلّد بإخلاص من لا يريد له النهوض، كأن الطيبة تحوّلت إلى غفلة، والإخلاص إلى تبعية.
يقولون لي كثيرًا: “استمع واصمت، لا تتدخل، ولا تغيّر شيئًا”. لكن كيف يُطلب الصمت ممن يرى وطنه يبتعد عن ذاته؟ لقد تربينا على قيمٍ ومبادئ سامية، غير أن بعض هذه القيم تحتاج اليوم إلى مراجعةٍ وتحديث، فليس من العدل أن يكون أي نظام أو قانون أو تقليدٍ أكبر من إرادة الشعب ومصلحتهم.
بلدنا العزيز مرَّ بمراحل صعبة، وتشكل وانهدم مرارًا حتى نال استقلاله، ثم توالت عليه الانقلابات والصراعات، وتبدلت الأوصاف بين “الخائن” و“البطل” بحسب الأهواء. لكن التاريخ وحده هو من ينصف، وهو من يحكم في النهاية، كما فعل حين أنصف رجالًا اتُّهموا بالخيانة ثم عُدّوا رموزًا وطنية بعد سنين، وعلي صالح متساشوا أكبر مثال على إنصاف التاريخ.
العتب الحقيقي ليس على من يسعى للتغيير نحو الأفضل، بل على من يصرّ على إبقاء الأمور على حالها ليستفيد من ضعفها ويخدم مصالحه الشخصية.
لقد آن لهذا الشعب الكريم أن يقرر مصيره بنفسه، وأن يتحرر من التبعية العمياء التي كبّلته طويلًا. نحن بحاجة إلى يقظة فكرية وأخلاقية تُعيد التوازن إلى قيمنا ومبادئنا، فلا نفرّط في تراثنا وكرامتنا، ولا نتوقف على أطلال الماضي.
لقد اختلّت منظومة الأخلاق حتى صار ما كان خُلقًا نبيلًا يُوصف بالرجعية، وما كان تديّنًا صادقًا غدا طقوسًا شكلية بلا روح. تراجعت هيبة الدولة، وضاعت ملامح الهوية، وصرنا نبحث عن أنفسنا بين ركام العادات المتضاربة والأفكار المستوردة.
أيها الشعب القمري الأصيل، آن لنا أن نستيقظ من سباتنا الطويل، وأن نعيد ترتيب أولوياتنا، وأن نزرع في نفوسنا من جديد معنى الإيمان، ومعنى الانتماء، ومعنى الكرامة، فقد أصبحنا
لقد بلغ الخطب مداه حتى غاصت الركب، ولا ينفع التعلل بالأماني. الله أكبر، ما هذا المنام الذي طال! لقد اشتاق إليكم المهد، وناحت لفراقكم الترب.
فلتكن هذه الصحوة بداية عهدٍ جديد، نعيد فيه للوطن روحه، وللشعب مكانته، وللإنسان القمري هويته التي يستحقها. آن للأمة القمرية أن تنهض قبل أن يفوت الأوان.




